هذا ضياء الشمس هذا الضحى ..من يمنع البلبل أن يصدحا ؟
هذه الشمس وقد أشرقت .. فمن يطرد الفجر وقد لوحا؟
من الذي أمسك الليل بأذياله؟ .. وقد طوى أذياله وانتحى!
ألا يا أخا الإسلام :
ترى الجراح تتعاقب في امتنا تلو الجراح..يتناحر فينا الورى بمبضع الجراح..فلله درك إن كنت من الوضاءين في ظلمات الغافلات ..السباقين إلى آفاق الإخلاص للمبادئ الراسيات..الصادقين في حبهم لمن أحبوا.. الذائدين عن حمى دينهم ونبيهم إن أوذوا وطعنوا .. وأما إن كنت ممن ترجل عن الطريق .. واكتفيت تعد الغادين والرائحين ..
فخطابنا إليك عاجل .. وأنت أنت من نخاطب ..
فيا أخا في الله :
صخب الهول إذ تجرأ الأنذال .. ملحدون للغواة مقلدون .. مخذولون - تبت يداهم – غدوا في ثلب نبيك يفترون . فوا لهفا !! أرضيت بدنياك عن قمع ضلالة.. سعت من حقير من بني الأسفلين ؟!
أتسعد بنوم أو تلهو بما يلهيك عن ردع المعتدين ؟!
لا تقل : ما أنا ؟؟ لا تقل : في القوم أخيار يعملون !
فالسدود العظيمة ما هي إلا لبنات قد رصت ..ولو أن لبنة ظلت تندب ضالة حجمها .. حتى تهاوت عن مكانها .. تحسب أنها في السد لا شيء ..لهلك القوم غرقا .. إذ نقب في السد نقبا ..فتسلل منه الماء حتى حطمه تحطيما! فبا درهمة .. وجد العزم , فو الله لو قدرت لنبيك حق قدره : لأعملت طاقتك كلها للذود عن حمى المصطفى العدنان .. لو تلك هي طبيعة الإيمان .. أن تشعر دائما وأبدا أنك فرد من جماعة , وجزء من كل , وأن ما يصيب الجماعة يصيبك , وما يفيدها يفيدك , وأن النعيم لا معنى له مع شقاء الأمة وبؤسها . وأن التخلف عن الجماعة نقص في الإيمان , وخلل في الدين , وإثم لا بد من التوبة والإنابة.
وتأمل قصة الثلاثة الذين خلفوا عن الجهاد ..إيثارا للراحة على التعب , والظل على الحر , والإقامة على السفر..مع أنهم مؤمنون صادقون – (رضي الله عنهم ) – لتدرك أن الصادق في إيمانه لا يتخلف عن أي عمل يقتضيه الواجب .. فان تخلف .. ضاقت عليه الأرض بما رحبت , وضاقت عليه نفسه !
" ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع اجر المحسنين . ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون " التوبة (120-121) .
أيا أخا في الله :
إن المرء فينا لا يكتمل إيمانه حتى يكون الله ورسوله – عليه الصلاة والسلام – أحب إليه من نفسه ووالده والناس أجمعين .. أو تدري لماذا ؟!
لان نبيك – عليه الصلاة والسلام – ابر سعيا وأعظم هدى واجل قدرا .. اجتث الشرك الوبيل .. وصان الحياة من لوثة وعثار .. حتى حاز الرضا بتفرد ماله مثيل ..
نبيك – عليه الصلاة والسلام – من جمع المحاسن خلقة وخلقا .. فهو المرسل من اله السماكين ( شاهدا ومبشرا ونذيرا , وحرزا للامين , وهو عبد الله ورسوله , سماه المتوكل , ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق , ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح , وما قبضه الله حتى أقام به الملة العوجاء , وفتح به أعينا عميا , وآذانا صما وقلوبا غلفا. من تواضعه – فدته نفوسنا عليه الصلاة والسلام – انه يكون في مهنة أهله ويزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم , ويأتي ضعفاء المسلمين ويعود مرضاهم , ويشهد جنائزهم , ويكثر الذكر ويقل اللغو , وكان مع ذلك قائدا محنكا .. توقره الأرض وترقبه الجوزاء .. إماما خطيبا , يطيل الصلاة ويقصر الخطبة , تهفو إليه المنابر , وتهتز إن خطب عليها ..
أيا أخا في الله :
نبيك - عليه الصلاة والسلام – ( رجل ظاهر الوضاءة , أبلج الوجه , لم تعبه نحلة , ولم تزر به صقلة .. وسيم قسيم , في عينيه دعج , وفي أشفا ره وطف , وفي صوته صهل , وفي عنقه سطع , وفي لحيته كثاثة , أزج اقرن . إن صمت فعليه الوقار , وان تكلم سما وعلا البهاء , أجمل الناس وأبهاهم من بعيد , وأجلاهم وأحسنهم من قريب , حلو المنطق .. فصل لا نزر ولا هذر .. كان نظمه خرزات يتحدرن, ربعة لا باس من طول , ولا تقتحمه عين من قصر , غصن بين غصنين .. فهو أنضر الثلاثة منظرا , وأحسنهم قدرا . له رفقاء – رضي الله عنهم – يحفون به ان قال : أنصتوا , وان أمر : تبادروا لأمره , محشود محفود , لا عابس ولا مفند ) . عليه صلاة الله وسلامه .. ما طار طير أو ترنم شاديا.
وبعد أخا الإسلام :
تلك الشمائل الزاكية .. عليك بها , فإنما هي قناديل على الدرب تضئ لك الدجى .. وما من محب وكان لحبيبه مقتديا ..
ولئن كنت ناصرا نبيك –عليه الصلاة والسلام – فانصره في نفسك أولا .. بان تقف نهجه .. وتبث سنته .. وان هذه لهي آية صدقك .. وبرهان محبتك ..
" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " ( الأحزاب 21)
ثم عليك أن تذل الأحقاد الأنكد , وتعرض بنفسك وملك عن كل امرئ .. حقت خسارته لسوء المقصد . وسر مع قافلة الأخيار .. وامحقت الضلال.
ومهما ترى الدنيا استحالت وحلا .. فتذكر أن الحرب يظل بيننا وبينهم سجالا..
وأن الباطل إن انتصر يوما ..فإنه لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أبدا .. ثم يكون الفصل في الجولة الآخرة .. لعباد الله مسجلا .
فليثبت خطؤك على سبيل المصطفى – عليه الصلاة والسلام – لتلقاه في الأخرى اعز محجلا ..