أبو إسحاق Admin
عدد الرسائل : 108 تاريخ التسجيل : 24/04/2007
| موضوع: مقدمة حول اعترافات الأجانب المنصفين برسول الإسلام عليه أفضل السبت مايو 19, 2007 10:53 am | |
| مقدمة حول اعترافات الأجانب المنصفين برسول الإسلام عليه أفضل
إنَّ الحمدَ لله, نحمدُهُ ونَستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا؛ مَنْ يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فَلَا هاديَ له، وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَرِيكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُه {يا أيُّها الذين آمنُوا اتقوا الله حَقَّ تُقاتِه ولاتموتن إلا وأنتُم مسلمون} آل عمران:102, {يا أيُّها النَّاسُ اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجَهَا وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ إنَّ الله كان عليكم رقيباً} النساء:1, {يا أيُّها الذين آمنُوا اتَّقوا الله وقُولوا قولاً سَديداً * يُصْلِحْ لكم أعمالَكم ويغفرْ لكم ذنوبَكُم ومَنْ يُطعِ الله ورسولَهُ فقدْ فازَ فََوْزاً عَظِيْماً} الأحزاب:70-71.
(أمَّا بعدُ): فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -،وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعةٌ، وكلّ َبدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ(1).
أمَّا بعدُ: فهذه جملة مقتطفة من الاعترافات التي أبداها بعض فلاسفة أوروبا، وكبار كتابها، وأحرار نقادها، وكبار الباحثين بشأن النَّبيّ مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، وقد صرحوا بها بعد دراسة وعلم، وتحقيق ويقين، وإنصاف وإنسانية، واجترأوا على الإدلاء بها على رؤوس الأشهاد, وقاموا بنشرها في المؤلفات، وعلى صفحات الصحف، ولو ضد معتقدات آبائهم وأجدادهم، وضد معتقدات المجتمع الغربي الذي يعيشون بين ظهرانيه، مما يعد خطراً على حياتهم، وعلى الأقل على راحتهم وسائر شئونهم الحيوية, ويعد تضحية منهم بمصالحهم الشخصية, ولاشك أن بعضهم أو كثيراً منهم أوذي بسبب تلك الصراحة, ولكن كان منهم عشاق للحق، فضحوا من أجل أن يجهروا بكلمتهم, وقد أسلم بعضهم في نهاية المطاف، وبعضهم لم يعلن إسلامه, والله أعلم بما كان في صدره وبما مات عليه, والذي نعتقده من كلام بعضهم أنه ربما أسلم سرا ًلأن بعض هذا الكلام يرشح بالإسلام والإيمان, فالله أعلم بما ماتوا عليه، ولو تأملت في تلك المجموعة من فلاسفة وعلماء أوروبا الذين اعترفوا وأنصفوا النَّبيّ مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -لوجدتهم من أفضل علمائهم, فهي مجموعة - غالباً -أحبت الحق، واعترفت بالصدق وإن خالف ما عليه أقوامهم, وفي المقابل لهؤلاء مجموعة ممن ينتسب إلى العلم طعنوا في دين الإسلام، وحاولوا أن يشوهوا صورة النَّبيّ الكريم، وهذه المجموعة الأخيرة حملها على ذلك الحقد والحسد، أوالمصالح الشخصية، فكثير منهم كان كالمقدمة لجيش المستعمرين الذين أرادوا استعمار العالم الإسلامي، ونهب ثرواته, فكان لابد للمستعمر من مجموعة من الأبواق تطبل له وتزمر، وتشيد بأمجاده وأهدافه ونياته, وفي المقابل تشنع على الدول الإسلامية والإسلام ونبي الإسلام حتى تكسر الحواجز المانعة للمستعمر من زرع نبتة الاستعمار, وهذه الطائفة هي بمثابة الجرافات التي تسير أمام المستعمر لترفع من طريقه العقبات التي تعوق طريقه.
وربما نسأل أنفسنا عن الفائدة التي نستفيدها من هذه الشهادات؟ وهل ديننا ونبينا في حاجة إلى هذه الشهادات حتى نتلمس قولاً هنا وقولاً هناك؟
فنقول: إن ديننا هو الدين الكامل, وهو غني عن شهادات العالمين, وناهيك بشهادة الله - تعالى -في قوله: {اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}، ونبينا - وهو موضوع الكلام -في غنى عن شهادة البشرية جمعاء, ويكفيك شهادة الحق له، وتسجيل تلك الشهادات في القرآن، وسأذكر لك طرفاً من تلك الشهادات حتى تعلم أن هذا النَّبيّ َالكريم الذي شهد له رب العالم ينفي الكتاب الحكيم ليس في حاجة إلى شهادة أخرى, فإليك أيها الإنسان وقد متَّعك ربُّك بالعقل والوجدان عدة من آيات القرآن، وبينات من الهدى والفرقان؛ طرفاً من شهادة رب العالمين له في الكتاب الكريم:
- {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنت َبِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنََّ لكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} الآية 1-4 من سورة القلم.
- {لَقَدْ جَاءكُم ْرَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُم ْعَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِين َرَؤُوف ٌرَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِي َاللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْه ِتَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبّ ُالْعَرْشِ الْعَظِيمِ} سورةالتوبة (128-129).
- {يَا أَيُّهَا النَّبيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك َشَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّه ِبِإِذْنِه ِوَسِرَاجاً مُّنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين َبِأَنّ َلَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُم ْوَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّه ِوَكِيلاً}(45-48) سورة الأحزاب.
- {مَّاكَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُم ْوَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبيّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلّ ِشَيْءٍ عَلِيماً}(40) سورةالأحزاب.
- {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبيّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} سورة الأعراف (158) .
- {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}(15) سورة المائدة.
- {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}سورة المائدة (15-16).
- {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(28) سورة سبأ.
- {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(107) سورة الأنبياء.
هذا وبالإشارة إلى الآيتين الأخيرتين قال رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: (أُعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النَّبيُّ يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) رواه الإمامانِ البخاريُّ ومسلمٌ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -.
والواقع إن أي فرد من العقلاء المنصفين النبلاء إذا فكر فيما وصفه الله به من آياته، وأثنى عليه في أسلوب كلماته، وحقق في معانيها تحقيقاً، ودقق في رموزها تدقيقاً؛ لاكتفى به عما سواه، ووجد فيه ما يهواه، فآن به أن يؤمن إن لم يكن من المؤمنين، أو ازداد إيماناً وأصبح من الموقنين، فإذا كان ذلك كذلك, وكانت شهادة الله لنبيه بهذا الوضوح وبهذه القوة فما الفائدة في ذكر شهادة هؤلاء العلماء والمفكرين، وما فائدة تسويد الصفحات بمثل هذه الأقوال؟
هناك فوائد عديدة من ذكر هذه الشهادات:
أولاً: مكانة هؤلاء العلماء عالية بين بني جنسهم وقومهم, وقولهم معتبر عندهم، فربما أدت أقوالهم هذه إلى إسلام أناس كثيرين من أقوامهم, لأن الأوروبيين ربما كان لديهم حواجز نفسية تمنعهم أن يقرأوا القرآن ( أو ترجمة معانيه ), فربما صدوا تماماً وأعرضوا عن سماع كلمة من المصادر الإسلامية, ولكن إذا سمعوا كلام هؤلاء العلماء المرموقين أنصتوا لهم، وانفتحت قلوبهم، وزالت العوائق النفسية والحواجز, فينظروا في المصادر الإسلامية كالقرآن أو السنة، أو ترجمة معانيهما، أو كلام العلماء المسلمين, ولا شك أن هذه مصلحة دعوية مهمة, فنحن يهمنا أن يقرأ الأوروبيون ديننا، وينظروا فيه بإنصاف حتى يحيا من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة! فنحن راغبون في هدايتهم كما في الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
ثانياً: إن هذه الشهادات شهادات حق, وشهادة الحق يجب إظهارها وإعلانها مهما كان قائلها مسلماً أو كافراً قال - تعالى-: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}.
ثالثاً: إن شهادة هؤلاء العلماء الغربيين فيها رد على المتغربين وعشاق الغرب من بني جلدتنا، الذين يتكلمون بألسنتنا وقلوبهم وعقولهم غربية، فهؤلاء إذا جاءتهم شهادة من الغرب فأسمع بهم وأبصر حينئذ, ولا شك أن عودة هؤلاء المتغربين إلى دينهم وفطرتهم مسألة من المهمات التي تجعلنا نعلن ونشهر هذه الأقوال.
رابعاً: أن الناس ربما لو سمعوا شهادة المسلمين على دينهم ونبيهم لربما قالوا: هذه الشهادة سببها محبتهم لدينهم ونبيهم، وأن عين الرضا عن كل عيب كليلة, فإذا جاء هؤلاء العلماء الأوربيون وشهدوا هذه الشهادات فسيقولون: الحق ما شهدت به الأعداء.
خامساً: أن لهؤلاء العلماء الأوربيين كلمات ولفتات جيدة, وبخاصة أن كلماتهم فيها تركيز على مشاكلهم ومشاكل الحضارة الحديثة, فهم يبحثون في سيرة وشخصية النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - عن حلول لما يعانون منه, ولذلك تأتي في كلماتهم عبارات جيدة توضح أن الإسلام ونبي الإسلام هو القادر - بإذن الله - على حل معضلات حضارتهم وحده, وأيضاً علمهم بالجاهلية التي هم من أبنائها يجعلهم يقارنون في كلماتهم بين حضارتهم وما هم عليه ومشاكلهم, وبين ما جاء في دين الله وفي أقوال وأفعال وأخلاق النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -, وأيضاً لأن هؤلاء العلماء عارفون - في الغالب -بالديانتين النصرانية اليهودية، وربما ديانات أخرى كالبوذية والهندوسية, فإنهم يقارنون بينها وبين الإسلام مقارنة العارف بتحريف تلك الديانات وتلاعب البشر بها, فللعلماء الأوروبيين تركيز على الجوانب الحضارية والعقدية، والأخلاقية والمقارنة بين الأديان, وهذا كله يبرز جوانب مبهرة في الدين الحق, فانظر مثلاً إلى قول الكاتب الكبير برناردشو يقول : "وأعتقد أن رجلاً كمُحَمَّد لو تسلَّم زمام الحكم في العالم بأجمعه اليوم لتمَّ النجاحُ في حُكْمِهِ, ولقاد العالم إلى الخير, وحَلَّ مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام، والسعادة المنشودة".
وانظر إليه وهو يبشر بانتشار الإسلام وعلوه على غيره من الأديان فيقول: "لا يمضي مئة عام حتى تكون أوروبا ولاسيما إنجلترا قد أيقنت بملائمة الإسلام للحضارة الصحيحة!"، ويقول: "وإن كثيرين من مواطني ومن الأوروبيين الآخرين يُقدِّسُون تعاليمَ الإسلامِ, وكذلك يمكنني أنْ أؤكد نبوءتي فأقول: إنَّ بوادرَ العصرِ الإسلاميِّ الأوروبيِّ قريبةٌ لا محالةَ!".
سادساً: إن شهادات هؤلاء العلماء الأوروبيين، ومحبة بعضهم للدين الإسلامي والنَّبيّ الكريم ربما أثارت الغيرة في نفوس المسلمين المتقاعسين عن الدفاع عن دينهم ونبيهم, وربما أثارت مكامن المحبة والاعتزاز بدينهم ونبيهم، وفنحن ننقل لهم كلمات الغربيين, فكأننا نقول: يا أهل الدار! أين كلماتكم ودفاعكم ومحبتكم إذا كان هذا قول غير المسلمين ودفاع غير المؤمنين, فأين المسلمون؟ وأين المؤمنون؟.
سابعاً: أن في نشر كلمات هؤلاء العلماء تشجيعاً لهم ولغيرهم, فإنهم إذا رأوا أن المسلمين - أهل الدار - لا يعيرون كلماتهم أدنى التفات فإن ذلك ربما كان محبطاً لهم، وغير مشجع على إبداء ما عندهم, وبخاصة أنهم يلقون الأذى من قومهم, فلا أقل من أن نكافأهم بإعلان كلامهم وإبرازه, وهو من باب: {وتعاونوا على ابر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
قبل أن نورد كلمات هؤلاء نحب أن ننبه إلى أنه ربما ورد في ضمن كلامهم بعض العبارات التي لا نرتضيها من ناحية العقيدة أو الأدب الإسلامي, فهم يُعبِّرون بحسب فهمِهم - وبلا شك أن في فهمهم للإسلام قصوراً - وأيضاً ليس عندهم الدقة في العبارات, وبخاصة في الكلام على ذات الله - تعالى وتقدس -, أو في الكلام على سيد ولد آدم - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -, وربما مدح بعضهم النَّبيَّ الكريمَ زاعماً أو مُفهماً أنَّ النَّبيَّ جاء بالقرآن من عنده أو غير ذلك من شرائع الإسلام, فليس إيراد كلامه معناه أننا نرتضيه جميعاً, حاشا وكلا، وإنما نرتضي منه ما كان حقاً, ونرد ما كان باطلاً, وربما علَّقنا, أو أوردنا تعليقاً لبعض علماء المسلمين, ولكن ليس معنى ذلك أن نتتبع عباراتهم جملةً جملةً، أو كلمةً كلمةً, فهذا عَسِرٌ, ولكن يكفيك ما في كلامهم من صحةٍ على وجه الإجمالِ والعُمُومِ, وشهادة بصدق النبي وشريعته, وهذا هو المطلوب, فانظر مثلاً إلى أحدهم وهو الشاعر الكبير لا مارتين يقول: "إن مُحَمَّداً أقل من إله, وأعظم من إنسان عادي, أي أنه نبي" فعبارة: "إن مُحَمَّداً أقل من إله" عبارة مرفوضة في العقيدة الإسلامية، وإن كان مرادُهُ صحيحاً, فهو يريد في النهاية أنه إنسان يُوحى إليه, وهو ما صرح به في قوله: "أي أنه نبي"، وانظر إلى ما قاله أدموند بيرك قال: "إن القانون المُحَمَّديَّ قانونٌ ضابطٌ للجميع من الملك إلى أقل رعاياه, وهو قانونٌ نُسِجَ بأحكم نظام حقوقيٍّ, وأعظم قضاء علميٍّ, وأعلم تشريع عادل, لم يسبق قط للعالم إيجاد مثله", فكلامُهُ فيه مدحٌ كبيرٌ للشريعة الإسلامية الشريفةِ, إلا أنه لو قال: "القانون الإسلامي أو السماوي الذي أُنزل على مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -... إلخ" بدلاً عن قوله: "القانون المُحَمَّدي" لكانت عبارته لا غُبارَ عليها, وهذا من الأخطاءِ الشائعةِ عند العلماء الأوروبيين والغربيين عموماً - حتى المنصفين منهم -، ذلك أنهم ينسبون العقيدة والشريعة وما جاء من عند الله إلى النَّبيّ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -, حتى أنهم يسمون القرآن "الكتاب المُحَمَّدي"، ويسمون الدين الإسلامي بـ"الديانة المُحَمَّدية"(muhammadism).
وهذا الخطأ سببه أحد أمرين:
أ) أن بعضهم ليس مراده ظاهر اللفظ, وهو أن مُحَمَّداً جاء بكُلِّ هذا من عنده, وإنما مرادُهُ بالدِّيانةِ المُحَمَّديَّةِ الديانة التي نبيها ورسولها مُحَمَّد, أو الديانة التي جاءت على يدِ مُحَمَّد, وبعضهم ربما صَرَّح بهذا مع تسميته للديانة الإسلامية بالديانة المُحَمَّدية, فهي نِسْبةُ مُلابسةٍ لا نسبةُ اختراعٍ وإيجادٍ, كما في قوله - تعالى-: {فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين}(الحاقة 38-43) قال ابن كثير في تفسيره (4/440): " يقول - تعالى- مقسماً لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم: إن القرآن كلامه ووحيه، وتنزيله على عبده ورسوله الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، فقال - تعالى-: {فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون * إنه لقول رسولٍ كريم} يعني مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، أضافه إليه على معنى التبليغ؛ لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسِل, ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرَّسُولِ الملكيِّ: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاعٍ ثم أمين} وهذا جبريل - عليه السلام -، ثم قال - تعالى-: {وما صاحبكم بمجنون} يعني مُحَمَّداً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، {ولقد رآه بالأفق المبين} يعني أن مُحَمَّداً رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها {وما هو على الغيب بظنين} أي بمتهم {وما هو بقول شيطان رجيم} وهكذا قال ههنا {وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون * ولا بقول كاهنٍ قليلاً ما تذكرون} فأضافه الله تارة إلى قول الرسول الملكي، وتارة إلى الرسول البشري، لأن كلاً منهما مبلغ عن الله ما استأمنه عليه من وحيه وكلامه، ولهذا قال - تعالى-: {تنزيلٌ من رب العالمين}" ا.هـ.
ب) وبعضهم لا يعتقد أنَّ الكتابَ والشريعةَ هي من عندِ اللهِ، فيحاول نسبتَها إلى النَّبيِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -,فهذا مخطئ في اللفظ والمعنى، بخلاف الذي قبله فإنه مخطئ في اللفظ والتعبير وإن كانَ مرادُهُ صحيحاً.
1 خطبة الحاجة, وهي ثابتة عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم-, وقد كتب فيها العلامةُ الألبانيُّ رسالة باسم " خطبة الحاجة ", خرَّج فيها رواياتها المتعددة, وتكلَّم عن أهميتها, فراجعها، وقد طبعها المكتب الإسلامي (بيروت- لبنان).
| |
|